يقول ابن رشد: (ومن الذي قال في الإلهيات شيئاً يعتد به) وهذه فلتة لسان أراد الله تَعَالَى أن يظهر بها الحق، وإلا فبالنظر إِلَى حياته ومنهجه يعلم أنه لا يقرها، لكنه قالها لحكمة من الله عَزَّ وَجَلَّ وهو الإقرار بالحق، والإِنسَان لو ترك فطرته عَلَى السجية لنطقت بالحق، فهو يقول: إذا كَانَ الأمر أمر الإلهيات، فمن الذي قال في الإلهيات شيئاً يعتد به، يريد: من أهل العقول، ومن أهل الآراء.
وأما الحق الخالص النقي في باب الإلهيات هو في كتاب الله، وفي سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورَسُول الله مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكمل النَّاس عقلاً وفهماً لم يكن يعلم عن هذا الأمر شيئاً حتى أنزل الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عليه جبريل بالرسالة، ولهذا قال تعالى: ((وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى))[الضحى:7] فحصلت له الهداية من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بهذا النور، وإلا فما كَانَ يدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولم يكن يعرف عن ربه -عَزَّ وَجَلَّ- هذه المعرفة العظيمة قبل أن ينزل عليه الوحي، وهو أكمل النَّاس بلا شك عقلاً وفهماً, وصحابته الكرام هم أعظم النَّاس رأياً وعقلاً وفكراً، ومع ذلك كيف كانت حياتهم في الجاهلية؟! فلما نزل القُرْآن واتبعوا الرَّسُول وأخذوا من نوره، واقتبسوا من العلم الذي جَاءَ به أصبحوا أعقل النَّاس وأعلم الناس، وأفضل النَّاس وأكمل النَّاس في الإلهيات وفي معرفة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فمن الذي قال في الإلهيات شيئاً يعتد به من غير الرسل، ومن غير طريق الوحي؟ لم يأت أحد بشيء أبداً.